المملكة- العدالة لا تسجن، التبرعات المشبوهة هي الخطر الحقيقي

المؤلف: فراس طرابلسي09.12.2025
المملكة- العدالة لا تسجن، التبرعات المشبوهة هي الخطر الحقيقي

في ربوع المملكة العربية السعودية المترامية الأطراف، لم يعد السجن مصيرًا محتومًا لمن تعثّر في سداد فاتورة كهرباء، أو تراكمت عليه ديون بسيطة. هذه حقيقة دامغة، لا مجرد استنتاج عابر، بل هي تحول جوهري تجسد في الأنظمة القضائية والتنفيذية للدولة، لتجعل من العدالة منارة إصلاح وهداية، لا قيدًا يكبل الأيادي ويمنع الانطلاق. لكن ما يبعث على الأسى والقلق في هذه الأيام، هو عودة بعض الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي إلى استغلال صور السجن، واستدرار عطف المحسنين من خلال القصص المحزنة. يتم نشر روابط للتبرع، مصحوبة بروايات مؤثرة عن "معيل أسرة" يقبع خلف القضبان بسبب مبلغ تافه، في محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن ولى وانقضى في ظل نظامنا القضائي المتطور. والأخطر من ذلك، أن هذه الحملات المضللة تخفي وراءها حقائق مُرة، لا بد من كشف النقاب عنها: أولاً: أن الكثير من هذه الحالات المزعومة تفتقر إلى المصداقية والتوثيق، ولا تمر عبر القنوات الرسمية التي تتحقق من الاحتياج الحقيقي. ثانيًا: أن الدولة -جزاها الله خيرًا- قد أنشأت منصات رسمية موثوقة مثل "فُرجت"، و"إحسان"، و"ساهم"، تحت إشراف مباشر من جهات قضائية ورقابية، تضمن وصول كل ريال إلى مستحقيه، دون أي اقتطاع أو استغلال في عمليات نصب واحتيال. العدالة في مملكتنا الغالية لم تعد تعتمد على أسلوب "الردع بالسجن" في معالجة القضايا المالية، بل انتهجت مسارًا أكثر حكمة وتوازنًا، يراعي مصالح جميع الأطراف، فيحفظ للمتضرر حقه كاملاً، دون أن يكبّل الطرف الآخر بقيود اقتصادية أو اجتماعية. هذا التطور الإيجابي هو ميزة فريدة قلّما تجدها في أنظمة أخرى، ويجب أن نفخر بها ونعلي شأنها، لا أن نسمح بتقويضها من خلال حملات عاطفية مشبوهة ومضللة. إن من يسعى إلى جمع التبرعات المالية عبر روابط شخصية أو غير موثقة، متجاوزًا منصات الدولة الرسمية، لا يمارس الإحسان الحقيقي، بل يعرض الثقة الوطنية في النظام المالي والعدلي للخطر. ومن يروج لمعلومات كاذبة ومغلوطة، مدعيًا أن الناس ما زالوا يُسجنون بسبب الفواتير، فإنه لا ينشر الكذب فحسب، بل يشوه الإنجازات العظيمة التي تحققت في هذا المجال. لذلك، فإنه من واجبنا كمواطنين واعين ومسؤولين، وفاعلين في نشر الوعي العام، أن نعيد تعريف مفهوم الشفقة في مجتمعنا: فالشفقة الحقيقية ليست في التبرع في الخفاء والظل، بل في حماية المتبرع له من الوقوع ضحية للاحتيال والنصب. وأن نعلنها بصوت مدوٍ: العدالة في المملكة العربية السعودية لا تحتاج إلى الأصفاد والسجون، بل تحتاج إلى وعينا وإدراكنا لأبعادها ومقاصدها النبيلة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة